اكتئاب الفيس بوك.. مرض خطير يهدد الأطفال، المراهقين والكبار أيضـاً !
هل فكرت يوماً أن تلغي حسابك من فيسبوك ؟ هل قمت بإلغاء حسابك من الموقع ثم بعد عدة أيام لم تقاوم رغبتك بالعودة إليه من جديد ؟ هل شعرت بالهزيمة بعدما عدت للموقع ؟ هل تعتقد أن الفيسبوك يقوم باستبدال العلاقات الاجتماعية الحقيقية بعلاقات مزيفة ، ولكن مع ذلك، لا تستطيع التخلي عنه؟
إذا كان جوابك نعم على بعض الأسئلة السابقة فأنت واحد من 46% من مجموع المستخدمين الذين حاولوا الإقلاع عن الموقع وفشلوا، و واحد من 71% من مجموع المستخدمين الذي يأخذون استراحة من الموقع بين الحين و الآخر للخوف من الإدمان.
ذكرت إحدى الدراسات إلى أن الإقلاع عن التدخين أسهل من الإقلاع عن الفيسبوك (في مرحلة الإدمان) ، و ذلك لتعلق استخدام الفيسبوك بالجانب الاجتماعي و النفسي لدى الانسان، بعكس التدخين، مما يجعل معالجة الإقلاع عنه أكثر تعقيداً.
شخصياً، حاولت مراراً العودة إلى العلاقات البشرية الطبيعية ولكن فشلت، في كل مرة كنت أعود إلى الموقع، و لكن بفلسفة جديدة لاستخدامه..حتى وصلت لقناعة مفادها أنه يجب التعامل مع الموقع كما يتم التعامل مع كل الأشياء التي تعلم أنها ضارة، و لكنك تستمع مع ذلك بفعلها .
أجريت إختبارات إدمان الفيسوك، النتيجة سلبية، وأنا غير مدمن. أين المشكلة إذن؟
الحقيقة لايوجد مشكلة، لأن الفيسبوك هو محاولة لمحاكات النفس البشرية و العلاقات الانسانية، الانسان كائن اجتماعي بطبعه و البشر بطباعهم يرغبون بمعرفة مايحدث لغيرهم من البشر و يتفاعلون مع ذلك بطرق مختلفة..
لذلك نقوم بسماع نشرات الأخبار مثلاً، ولذلك نحب أن نتحدث عن قصص الآخرين، نحب أن نخوض في قصص عملهم و علاقاتهم و أسرهم و فضائحهم..هذه الطباع متأصلة فينا كبشر عموماً، كعرب خصوصاً، و كإناث بشكل أكثر تخصيصاً..
البداية كانت من هنا..
تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مع بداية 2009 عند قيام الاحتجاجات في إيران، و ذلك بسبب الدور الذي لعبته تلك المواقع و على رأسها تويتر في نقل ما يجري على الأرض.
مع وصول الاحتجاجات للعالم العربي تزايد مستخدموا الفيسبوك بشكل كبير، فأصبحت تجد جميع أفراد الأسرة مثلاً على الفيسبوك، ولم يعد غريباً أن تجد الجدة والأم و الحفيدة يستخدمون الفيسبوك معاً.
وجود عدة أجيال مختلفة يستخدمون نفس وسيلة التواصل لابد و أن ينتج عنه بعد المفارقات التي قد تكون مضحكة بسبب اختلاف طريقة الحياة و طريقة التفكير و طريقة النظر للأمور بينهم، وانتقل هذا الصراع بين الأجيال من المنزل إلى الصحفات الاجتماعية.
فمثلاً، من غير اللائق أن يقوم الأب بكتابة تعليق ما و لا تقم الأم بالإعجاب به، فهذا يقلل من احترام الأب أمام الأولاد. ومن غير اللائق أيضاً أن يقوم أحدهم بالإعجاب بما تنشر و لا تقوم انت برد الإعجاب لاحقاً.
كما يمكن أن يحدث في الفيسبوك مشاجرات و انفعالات و استفزازات من خلال التعليقات و البوستات، تماماً كما يحدث في الحياة الواقعية، الفارق هنا أن نتائج المشاكل الإلكترونية يمكن أن ينعكس على الحياة الواقعية، فأصبحنا نسمع بقصص الحب والطلاق و الزواج بسبب الفيسبوك.
كما صرنا نرى صفحات الفيسبوك أصبحت مصدراً لجس نبض الشارع و لإطلاق الشائعات أو المظاهرات أو الحملات، والتي في الحياة الواقعية انعكست أرقاماً لحوادث أبطالها أشخاص حقيقيون.كما أصبحت صفات الفيسبوك مصدراً للأخبار يضاهي أكبر محطات الأخبار العالمية…
وفي المحصلة، فإن الفيسبوك انقلب من مكان للمتعة والضحك و تمضية الوقت المرح مع الأصدقاء إلى مكان جديد أشبه بالمنزل، أو الحارة، فتجد فيه الأسرة، الجيران، الأقارب، زملاء العمل، عناصر الأمن، وهي المكونات الأساسية في حياة أي مواطن عربي..
وصارت جميع الأعراف و التقاليد التي تعيشها في الحارة أو البيت موجودة بحذافيرها في صفحتك الإلكرتونية، و بذلك تحول الفيسبوك من مكان للترفيه و الهروب من الواقع إلى عائق جديد يضاف إلى مئات العوائق في مجتمعاتنا يمنعك من أن تكون نفسك، أو أن تعبر بطريقتك، أو أن تكون فقط ما تريد أن تكون..
و من جملة تلك العوائق أنك أصبحت تهتم بمظهرك ونشاطاتك الإلكترونية أمام الآخرين أكثر من اهتمامك بالنشاطات بحد ذاتها، و كذلك أصبحت تهتم بتتبع نشاطات الآخرين اللإلكترنوية أكثر من اهتمامك بالتواصل الحقيقي معهم ( عبر الهاتف مثلاُ) ، و أصبحت نشاطاتك الإلكترونية تعبر في كثير من الأحيان عما يتوقعه الآخرون منك، و بذلك تسقط في مصيدة التعاسة، التي ربما سقطت فيها سابقاً في حياتك الواقعية، و هي التصرف وفق معايير الآخريين…
هل حدث و فعلت شيئاً ما ( التقاط صورة مثلاً أو زيارة مكان) خصيصياً لكي تعرضه على الفيسوك؟ هل يمكن أن يعني ذلك أنك تقوم بذلك النشاط من أجل الآخرين أكثر من نفسك ؟
هل حدث أنك لم تتواصل منذ سنوات بشكل حقيقي مع أحد الأصدقاء الذين تتابع نشاطهم باستمرار على الفيسبوك ؟ هل يمكن أن يعني ذالك أنك مهتم بتمضيه الوقت بمعرفة أخباره أكثر من اهتمامك به شخصياً ؟ و هو نفس السبب الذي تتابع لأجله نشرة الأخبار، لمجرد الترفيه أكثر من اهتمامك بصاحب الخبر نفسه؟
من وجهة نظر بحثية..
الفيسبوك هو اختراع جديد نسبياً فلا يوجد تأكيد على نتائج استخدامه على المدى البعيد، ولكن مع ذلك هناك أبحاث مهمة قامت بها جامعات مهمة لدراسة تأثر الفيسبوك على سلوك المستخدم وتوصلت جميعها لنتائج متقاربه يمكن للقارئ الاطلاع على بعضها في المراجع المذكورة في نهاية المقال.
فمن النتائج المشتركة بين معظم الدراسات مثلاً ان معظم المستخدمين يقومون بتصفح الموقع يومياُ وبشكل منتظم، وان استخدام الفيسبوك بكثرة قد يؤدي إلى الاكتئاب أو إلى ظهور مشاعر الغضب أو الوحدة وذلك لأنك ترى فقط الجانب الإيجابي من حياة أصدقائك من خلال ما ينشروه. نفس المشاعر قد تتكرر عند حصولك على عدد أصدقاء أو إعجابات محدود..
و من النتائج أيضاً أن سلوكك على الفيسبوك و طريقة تفاعلك يحدد سلوكك و مواصفات عقلك و نفسك، فمثلاً، مشاركتك الزائدة لتفاصيل حياتك اليومية قد تعني أنك تفتقر إلى الاهتمام، و تغيير صورتك الشخصية باستمرار يمكن أن تعكس حاجتك لقبول الآخرين لك من خلال تغيير طريقة ظهورك أمامهم.
ماذا عن الأطفال..
المهم، طالما أنك خارج دائرة الإدمان و طالما أن لديك الوعي لتعرف بأن الفيسبوك شيء و الحياة خارج الشاشة هي شيء مختلف تماما فأمورك بخير..
الحقيقة أنك لستَ محور القلق هنا.. مصدر القلق هنا هو طفلك.
السبب الذي دعاني لكتابة هذه التدوينة هو خبر قرأته على أحد المواقع الطبية و فيه أن أكاديمية طب الأطفال الأمريكية فرضت إجراءات جديدة على أطباء الأطفال ليقوموا بها كجزء من الفحص الروتيني الذي يخضع له الأطفال تتعلق بسؤالهم عن حياتهم الرقمية، الهدف من ذلك هو التشخيص المبكر لحالة “اكتئاب الفيسبوك” إن وجدت.
فبعد أن يقوم الطبيب بسماع دقات قلب الطفل و رئتيه و ما إلى ذلك يقوم بسؤاله عدة أسئلة عن الفيسبوك، إن كان يملك حساباً، وكم عدد أصدقائه وكم مرة يتواصل معهم في اليوم، وغير ذلك.
بناء على أجوبة الطفل و ردة فعله يمكن للطبيب أن يوصي بأن حالة الطفل الفيسبوكية طبيعية، أو يقوم بإجراء فحوص أخرى تنتهي بتوصيف حالة الطفل بأنه يعاني مثلاً من عزلة اجتماعية على الفيسبوك، أو أن لديه ميول عدائية، أو أنه يقضي وقتاً طويلاً على الموقع مما قد يؤذي حياته الواقعية في المستقبل…و بناء عليه قد يوصي بعلاج و حمية له، و ربما لأهله أيضاً..
من وجهة نظر الجمعية فإن الفيسبوك ليس مجرد موقع يقضي الأطفال وقتهم فيه من أجل التسلية أو مشاركة الصور مع الأصدقاء بعيداً عن ازعاجهم للأهل ، بل هو سلوك كامل يجب معاينته و مراقبته بدقة.
السبب في ذلك أن التمييز بين الحياة الافتراضية و الحياة الواقعية ليس واضحاً و ربما ليس موجوداً بعد عند الطفل كما هو عند البالغ ( إن وجد). الأجهزة الإلكترونية تشكل مكوناً هاماً من مكونات الطفولة هذه الأيام، والأطفال يفضلون قضاء أوقاتهم أمام الأجهزة الإلكترونية على أن يقوموا بنشاطات فيزيائية أو اجتماعية، أضف إلى ذلك أن بعضهم خجول، و التواصل الاجتماعي الافتراضي عبر الشاشة يشكل الوسيلة المفضلة والوحيدة لديهم.
النشاطات الإلكترونية تساهم الآن بشكل أكبر في التكوين العاطفي و النفسي للطفل، وربما تؤدي لاكتئاب فيسبوكي إذا شعر الطفل أنه بعزلة الكترونية عن بقية أصدقائه، أو ربما تزيد من قلة ثقته بنفسه.
التعليقات الإيجابية المستمرة من قبل أصدقائه ومشاركتهم لصورهم ونشاطاتهم بشكل لا يستطيع الطفل العينة مجاراته في حياته الواقعية تجعله تحت تهديد حقيقي بأن يتعرض للاكتئاب الالكتروني، مما يجعله يقضي وقتا أطول امام الشاشة، و يساهم في فشل الطفل لاحقاً في نشاطات حياته الواقعية على حساب الحياة الافتراضية.
في تلك الحالة فإننا نسمح للأطفال بالولوج والانخراط غير المنضبط في الحياة الافتراضية قبل أن نعلمهم كيفية وقواعد استخدامها، أو على الأقل أنها ليست حياة واقعية، و كأنك بذلك تسمح لطفلك بقيادة السيارة قبل تعليمه القيادة..
من النصائح التقليدية لتجنب وصول الطفل إلى حالة الاكتئاب الإلكتروني هي القدرة على مجاراته أولاً، فإن كان طفلك يملك حساباً على جميع مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تملك واحداً أيضاً. بعد ذلك يأتي دورك في تعليم الطفل كيفية استخدم تلك المواقع ، والتحكم بفترات استخدامها، و مراقبة ما يفعله الطفل بين الحين و الآخر.
وكما أن هناك مناهج و تخصصات لتعليم الأهل كيف يتعاملون مع الطفل أو مع فترة المراهقة التقليدية، أعتقد (ويجب) أننا قريباً سنسمع بتخصصات لإدارة المراهقة الإلكترونية..
وفي الختام.. لابد من التذكير بأن تصرفات أطفالك ماهي إلى تقليد لتصرفاتك، فإن كنت تستخدم الهاتف أثناء الطعام أو قبل النوم أو مباشرة بعد الاستيقاظ، فتوقع أن يقوم أطفالك بتقليدك…
وقد قيل : أسرع طريقة للإقلاع عن الفيسبوك..هي العودة لانتستغرام!!