من الشائع عندما تسأل أحدهم عن الطائر الأكثر براعة في تقليد الأصوات وحتى الكلام البشري أن تحصل على إجابة وحيدة ومحددة: الببغاء! وعلى الرغم من أن هذه إجابة جيدة إلى حد بعيد، إلا أنه ليس الأكثر براعة على الإطلاق. ربما يكون الببغاء هو الطائر “الأليف” الأكثر براعة في التقليد، لكن دعوني أخبركم أن هناك طائرًا آخر لا يعيش إلا بالبرية ويتمتع بحنجرة سحرية سيتوارى معها خجلًا أبرع الببغاوات وأكثرها قدرة على التقليد!
رحبوا معي بطائر القيثارة الرائع Superb Lyrebird الذي يقلد كل ما تسمعه أذناه من أصوات حيوانات الغابة إلى أصوات المنشار الكهربائي وغالق الكاميرا وسارينة الإسعاف وأي صوت آخر، طبيعيًا كان أو صناعيًا!
القيثارة الرائع طائر أرضي، أي أنه لا يستطيع الطيران على عكس الببغاوات، وموطنه الأصلي هو أستراليا. وبالمناسبة، فعندما نقول “القيثارة الرائع” فنحن لا نمدحه، بل هذا هو اسمه بالفعل Superb Lyrebird! هذا الطائر من الروعة أن صارت صفة “رائع” أو “ممتاز” جزءً من اسمه الذي أطلقه عليه الناس! هذا بالطبع خلاف اسمه العلمي مينورا نوفاهولاندياي Menura novaehollandiae الذي يشير لفصيلته وجنسه في شعبة الطيور.
لهذا الكائن المدهش الكثير من الوثائقيات الفيلمية التي سجلت كيف يقوم بإصدار عدد متتالي من الأصوات والصيحات التي يقلد بها أصوات كل ما ومن يسكن الغابات حيث يعيش، سواء كانت تلك الأصوات لطيور أخرى أو لحيوانات مثل الكوالا والنمور أو حتى للبشر وأنشطتهم كبكاء الأطفال الرضع أو هدير المنشار الكهربي بينما يقطع الأشجار أو صوت غالق كاميرا من كان يصوره أو صوت سارينة سيارة إسعاف بعيدة مارقة! لن تصدقوا أو تتخيلوا مدى براعة طائر القيثارة الرائع في تقليد الأصوات حتى تشاهدوا مقطع الفيديو التالي!
مدهش إلى أقصى حد، أليس كذلك؟ لولا أن هذا الوثائقي صادر عن مؤسسة عريقة كناشونال جيوغرافيك، لاتهمت صاحب المقطع بأنه قد زيف الأصوات التي سمعتموها للتو. إلا أن طائر القيثارة لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل يتعداه إلى مستوى آخر خيالي تمامًا! فطيور القيثارة الرائعة لا تقوم بتقليد ما تسمعه فحسب، بل تمرره كذلك للأجيال التالية! أي أنه لا يقلد غيره من الأجناس، بل يقلد جنسه كذلك ويحتفظ بتلك الأصوات عبر السنين كنوع من توارث الأصوات ليسترجعها متى أحب وكأنها خبرة ذاتية اكتسبها من المصدر مباشرة!
هل تتخيلون أبعاد هذا حقًا؟! فحالما يتعلم طائر القيثارة صوتًا ما فهو لا ينساه أبدًا، ويبدأ في تمريره إلى الأجيال التالية من صغاره وصغار جيرانه الذين بدورهم يمررونه للأجيال اللاحقة، والنتيجة أن تتحول هذه الطيور لآلات زمن حقيقية تبث مقاطع صوتية من الماضي لم يعد لها وجود في العصر الحالي! أصوات لممارسات أو أجواء غابرة قد تصل إلى قرون سابقة كصوت الفئوس بينما تضرب جذوع الأشجار، أو صيحة “احترسوا من الشجرة الساقطة Timber” سمعوها من أحد الحطابين بينما يحذر رفاقه في عام 1890!
وعلى الرغم من أن ذكر وأنثى القيثارة يتمتعان بالقدرة على تقليد أي صوت يسمعونه تقريبًا، إلا أن ذكر القيثارة يعد أكثر مهارة ومثابرة على إظهار واستعراض هذه القدرات الصوتية المدهشة؛ كوسيلة بطبيعة الحال للتباهي وجذب الإناث للتزاوج. ودعوني أخبركم أن ذكور القيثارة تقوم بهذا بأفضل طريقة ممكنة، حيث يقوم الذكر بتنظيف رقعة مميزة من الأرض ويبني ما يشبه المنصة المرتفعة للوقوف عليها والبدء في استعراضه المدهش الجدير بخشبة مسرح مكتظة بالرواد!
وبالطبع، من الواضح أن سبب تسمية طائر القيثارة بهذا الاسم هو الأصوات الساحرة التي تصدر عن حتجرته؛ إلا أن هذا ليس السبب الحقيقي وراء تسميته بالقيثارة! ففي الواقع، يتميز ذكر القيثارة بامتلاكه 16 ريشة طويلة ملونة ومزغبة أشبه بتلك التي يتميز بها ذكر الطاووس كذلك. يستطيع ذكر القيثارة نفش هذه المجموعة من الريش لتبدو كتاج ملكي ورائه، مع وجود ريشتين مميزتين للغاية على الطرفين فيما يشبه عمودي آلة القيثارة الشهيرة كما نعرفها!
وفي النهاية، أعتقد أنكم تتفقون معي بأن تسمية طائر القيثارة بالـ “رائع” دومًا هي صفة مستحقة تمامًا. وفي الحقيقة، ومع القصص التي لا تنتهي للمغامرين والرحالة الذين قابلوا طائر القيثارة واستمعوا إليه، نجد أن كلمة “رائع” ما هي إلا وصف يبخس قدرات ومهارات وجمال ذلك الطائر الأعجوبة!
المصدر: عالم الابداع